عن المشروع :
المشروع البحثى يستهدف الكثير من المدن المصرية التى تمثل اعلى نسب اقتصاد قائم على الحرف اليدوية ويقوم بتوثيق أصول الحرفة والتغيرات الاقتصادية والعمرانية للمنطقة وتاريخ تطور الحرفة
حكاية الاويما في خمسين سنة داخل شارع عبدالرحمن بدمياط
صورة لمجموعة الأدوات التي يستخدمها الاويمجي فى الورشة - تصوير فريق مشروع حرفه- المحطة الأولى – يناير 2018
تاريخ مدينة دمياط والمنطقة:
أطلقت الحضارة المصرية القديمة على مدينة دمياط المقاطعة (السابعة عشر) وتحولت إلى منطقة هامة لتخزين المحاصيل والحبوب وبعد فترات عديدة توطدت العلاقات التجارية مع الشعب اليونانى عام 325 م.
عندما تولى محمد علي حكم مصر عام 1804 اهتم بالمدينة وأنشأ بها مصنعا للغزل والنسيج وجعلها من أهم مراكز التجارة فى العالم، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى عام 1914 توقفت التجارة وانقطعت الموارد من الخارج فبدأت دمياط فى التصنيع، وأنشئ أول مصنع عام 1920 ونشطت العديد من الصناعات اليدوية مثل الأحذية والنول.
بعد بناء السد العالي جفت العديد من البرك المائية ومنها حى البركة الذي يتوسطه شارع عبدالرحمن، وأطلق على الشارع فى الضرائب العقارية قديما شارع المدينة، وقال أحد الحرفيين فى الشارع أن اسم عبدالرحمن أطلق على الشارع حديثا نسبة إلى عبدالرحمن الإدريسى، بينما روى عبدو جادو[1] أن المنطقة كانت عبارة عن خنادق وقنوات مائية، والسبب فى تسميته يعود إلى معركة وقعت وخلفت أربعين شهيدا وعبدالرحمن "أحد أحفاد أبو بكر" وتمجيدا لهم أطلق على المسجد اسم الأربعين وعلى الشارع اسم عبدالرحمن . أيا كان سبب التسمية الأساسى واختلاف الآراء حوله اتفق التجار والحرفيون على تحول الشارع القائم على التصنيع اليدوي إلى شارع تجاري لبيع الموبيليا.
خريطة توضح حدود حى البركة فى مدينة دمياط - اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الأولى – يناير 2018
وصف الشارع وأهميته وميزته التنافسية:
يحكي عم محمود[2] أن المكان كان خنادق للجنود و قنوات مياه و أراضي فضاء من جهة الكنيسة (سانت جورج) إلي حدوده مع منطقة الشهابية و كانت الأرض ترابية و أول تمهيد لها كان بالأسفلت و هو ما يغطي الشارع كله الأن. لكن يمكننا رؤية البلاط الأسود (الإنجليزي) في بعض الحارات في النواحي الأقرب للكورنيش التي لم يتم تسفيلها بعد ليدل علي أنه كان مستخدما في حدود المناطق الأقدم و أن الامتداد العمراني بدأ من ناحية النيل في الغرب ناحية الشرق.
خريطة توضح العلامات المميزة والمداخل الخاصه بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
يحكي عم محمد[3] أن النيل كان ميناء طبيعي (المكان أمام السنترال الأن) , فكانت تأتي السفن من مدن الشام لترسوا هناك مما ساهم في جعل المنطقة مكان حيوي. وجود الميناء مع كونها مركزا تجاريا مهما ساعد على رواج حرفة النجارة في المدينة لصيانة المراكب و خدمتها. عند قدوم الحملة الفرنسية بأثاثها مع القطع الفنية المتنوعة طلبوا مساعدة الحرفيين في تركيبها، وبدورهم قاموا بتقليد القطع الموجودة مما ساعد على امتهان الحرفيين صناعة الأثاث و الأويما.
فى البداية ازدهرت حرفة الاويما فى الشارع واتجه العديد من أصحاب الأملاك والسكان الأصليين أصحاب المهن الأخري إلى امتهان حرفة الاويما و صناعة الأثاث و فتح الورش أسفل منازلهم، تكونت منطقة لإخراج منتجات خشبية كاملة، واحتوى الشارع على أكثر من 100 ورشة يدوية صغيرة بين النجارة والاويما (مصنع[4]).
ذاع صيت الشارع ليصل إلى كل أنحاء العالم بمنتجاته المتميزة، وأمسى للشارع ميزة تنافسية عالية وبدأ العديد من الحرفيين فى تحويل الورش إلى معارض . وتحول الشارع إلى علامة تجارية وأصبح مزدحما فى كل الأوقات وتركت العديد من المحلات نشاطها وتحولت إلى معارض " الله فى سماه ما كنت تعرف تمشى فى الشارع ده ولا بالكتف حتى " هكذا حكى لنا أحد أقدم الحرفيين فى الشارع .
خريطة توضح أنواع المعارض وتكاملها بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
خلال الخمسين سنة :
تعلم العديد من الحرفيين الاويما داخل الشارع فعلى سبيل المثال كانت ورشة عم زكى عام 1963 يعمل بها اكثر من 15 صبى يعلمهم جميعا الحرفة وكان أغلبهم من خارج مدينة دمياط . ورث العديد من أصحاب الحرفة الفن والخبرات إلى أولاده وبعضهم أرسل إلى الورش المختلفة لاكتساب مهارات جديدة ، اغلبهم أصبح له ورشته الخاصة داخل وخارج الشارع بجانب أو قريب من عائلته.
كمثال لذلك عندما جاء الحاج السعيد ترك إلى المنطقة اشترى قطعة أرض كان مبني عليها مدرسة فبنى السعيد منزلا من أربعة أدوار كدليل على غناه المادى وكان أعلى بناء فى الشارع فيقول أحد أحفاده " كنت بشوف النيل من بيت جدى " . عندما استطاع أحد أبناء الحج السعيد أن يستقل بحياته اشترى الأرض المجاورة لوالده وأقام عليها بيتا خاصا به وعندما سألنا أحد أولاده لماذا هنا ؟ أجاب " اللى يعيش فى شارع عبد الرحمن ميعرفش يخرج يعيش بره " .
المقاهي من أحد أكثر الأماكن التى يحدث بها تجمعات في الشارع . حكى لنا عم عبدالله ( اويمجى توقف عن ممارسة المهنة ) أن القهوة هي أساس تبادل الخبرات وأن " كازينو الجلاء " المعروف بقهوة شلبى هى أقدم قهوة فى الشارع .
أصل الحرفة:
الاويما هي من أجمل الحرف التي يمكن مشاهدتها، ألا وهي قدرة وفن وحرفية الاويمجي في أن يقوم بتحويل قطعة من الخشب لتحفة فنية تشكيلية يقوم بإضافتها أو تركيبها على قطعة من الأثاث أو تحفة قائمة بذاتها . وقال اويمجي بمنطقة حي البركة بأنها تذويق .. "ذوق البوصة تبقى عروسة " . وبسؤال حرفي بمعرض بشارع عبدالرحمن عن الأويما قال " وتعتمد على الفن فهي فن ويتم تطبيقه على الخشب" ويعتبر الحفر على الخشب من أقدم الفنون الجميلة والحرف اليدوية في التاريخ منذ العصور القديمة ، وقد تطورت في كل من العصر العباسي والأيوبي والفاطمي والمملوكي والأندلسي والفارسي لتعبر عن كل عصر.
تشكيلة متنوعة من منتجات حرفة الاويما من أصحاب الورش والمعارض بمنطقة حي البركة
تصوير فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
تطور الحرفة:
وقد بدأ اشتهار مدينة دمياط بالحرفة منذ القرن الماضي حيث بدأت ورش الاويما في الظهور وإنتاج قطع الخشب والأثاث وعلى مدار الخمسين سنة السابقة حتى وقتنا الحالي . وبدأت شهرة شارع عبدالرحمن بدمياط منذ عام 1966 بوجود أول ثلاثة محلات فقط لتصنيع حجرات الأثاث، ثم أضيفت ورش أخرى تدريجيا مع مرور السنين ليأخذ الشارع والمنطقة شهرة واسعة حيث قال أحد الاويمجية بالمكان عند سؤاله عن شارع عبدالرحمن "سمعة عالمية مش في مصر بس" بما يعني أن زوار المكان والمشترين كانوا يأتون من خارج مصر للمنطقة وللمكان تحديدا .
صورة لعم يوسف أحد الاويمجية داخل ورشته بشارع عبدالرحمن
اثناء اعداد التقرير الخاص بفريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
و يذكر عم محمود أن نمو الحرفة جاء مع إنشاء مصانع الغزل و النسيج في حلوان و نزوح جزء كبير من العمالة لها . مما أوجد فراغا اقتصاديا و ساعد علي تحول و امتهان أصحاب مصانع الغزل الصغيرة إلي النجارة و ورش الموبيليا.
هناك ارتباط وثيق وملحوظ بين الحرفة ودورها في دورة إنتاج الموبيليا مع المكان وشكل المسكن، فالاويما بدأت بمحل ورشة صغير أسفل المسكن يقوم فيه الاويمجي بعمله وعرضه والتسويق من خلال تلك الورشة وبعد أن بدأت في الازدهار والتطور بشكل أكبر تطورت لتكون ورش نجارة تتسع أكثر لماكينات تقطيع الأخشاب والحفر عليها . وبعد أن توسعت الحرفة وأصبحت منطقة حي البركة مقصدا لكل مشتري الأثاث حل الاستخدام التجاري محل الأنشطة الأخرى لرواج المهنة والحرفة والجودة العالية للمنتجات ليصبح شارع عبدالرحمن في أوج ازدهاره . فتحولت الورش إلي معارض للأثاث في الدور الأرضي كما قام البعض ببناء بعض الأدوار واستغلالها في زيادة مساحة العرض والحصول على استفادة اقتصادية أكبر .
خريطة توضح ارتفاعات المبانى والتغيرات فى قطاعاتها بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
وجهات النظر المتباينة:
في الفترة الأخيرة تأثرت الحرفة بعدة عوامل مؤثرة منها غلاء الأسعار وتعويم الجنيه ودخول مكن ال CNC عالم التصنيع والأثاث . فالبعض لم يعارض دخول ال CNC و قام بتوظيفها في صنعته فقام باستغلال إمكانيات المكن مع إضفاء لمسته اليدوية وأرجع الركود الاقتصادي في المنطقة لغلاء الأسعار " كيلو الخشب كان ب 4 جنيه يعني الطن ب400 جنية النهاردة الطن ب 000 10 جنيه !!! الاويمجي مقفلش عشان المكن، المكن بيساعدنا وبيسهل علينا " . والبعض الآخر يرى بأن عيوب الCNC أكبر من مميزاتها ويرجع ذلك إلى انخفاض نسب المبيعات للاويمجية وتحول المشترين عن منتجاتهم فقال أحد الاويمجية "الاويمة بالعربي انتهت من دمياط بسبب مكن الCNC .. وربنا يسهل وترجع تاني لأن الدمياطي فنان وهيفضل فنان " ومنهم من علق الموضوع على المشتري فقال " الزبون اللي بيفهم بييجي للأويمة والزبون اللي يقولك دي بكام بييجي للمكن " . كما أثرت العديد من العوامل الاقتصادية على حرفة الاويما وصناعه الأخشاب فى الشارع بشكل عام وبعد غلاء أسعار الأخشاب بدأت العديد من الورش بتغيير نشاطها.
خريطة توضح اماكن الورش وانواعها بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
خريطة توضح استعمالات الاراضى بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اعداد فريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
التغيير العمراني والتطور الاقتصادي:
لم يتغير النسيج العمرانى فى حدود البناء فلا تزال البصمة العمرانية للبناء واحدة وعندما تنهار منازل قديمة يقام على نفس مساحتها مبان جديدة ولكن بارتفاعات أكبر حيث تحولت المنازل الدورين إلى منازل ذات 6-7 أدوار .
وقد اتفق الحرفيون والسكان بأن حرفة الاويما متمركزة بدمياط بمنطقة حي البركة كمعارض لعرض المنتجات مع وجود عدد قليل من الورش المتبقية التي لا تزال تشتغل وتنتج وأرجع البعض ذلك إلى :
- ارتفاع أسعار الإيجارات بالشارع كونه تحول تجاريا فلا يستطيع صنايعي الورشة تحمل الإيجار مع الركود الحالي فيلجأ للإيجار في أماكن أبعد في حدود إمكانياته .
- تفضيل أصحاب الأراضي نقل ورشهم إلى الأماكن الجديدة التي توفرها الدولة واستخدام ملكياتهم كمعارض .
- الركود الحالي إلى عزوف الحرفيين عن الاويما وامتهان مهن أخرى مثل سواقة عربة نقل أو التجارة أو غيرها - دخول ال CNCأدى إلى وفرة الطلب وتقليص دور الاويمجي للتنعيم أو رسم المسطرة فقلت الحاجة إلى أعداد كبيرة من الحرفيين .
- أصحاب المعارض أصبحوا يفضلون توجيه أبنائهم ليكونوا من أصحاب الشهادات العليا على أن يكونوا حرفيين.
خريطة توضح اماكن المقابلات بشارع عبد الرحمن فى مدينة دمياط
اثناء اعداد التقرير الخاص بفريق مشروع حرفه- المحطة الاولى – يناير 2018
كل ما ورد في المقال هو توثيق حكايات و معلومات من اصحاب الورش والمعارض داخل نطاق شارع عبد الرحمن بمدينة دمياط اثناء اعداد تقرير خاص بفريق مشروع حرفه البحثى من الفتره من 23-1-2018 وحتى 28-1-2018 .
المراجع :
-
Mieroop, Marc Van De. A History of Ancient Egypt . UK : Wiley-Blackwell; 1 edition, 2010.
-
Carey, Moya. An Illustrated History of the Islamic Art & Design. UK : Southwater; ILL edition , 2012.
-
Beshto, Ahmed. The evolution of Damietta furniture industry. EL-Jazeera Madia, 2010
[1] صاحب معرض في شارع عبدالرحمن
[2] صاحب معرض في شارع عبدالرحمن
[3] أحد أقدم الحرفيين في المنطقة
[4] مصنع تبعا لمنظور و وصف بعض سكان الشارع